خبر ⁄سياسي

ملفات غير معلنة في جولة البرهان بغرب أفريقيا

ملفات غير معلنة في جولة البرهان بغرب أفريقيا

أمستردام: 14 يناير 2025: راديو دبنقا

أنهى الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، جولة في دول غرب أفريقيا شملت كل من مالي، غينيا بيساو، سيراليون، السنغال واختتمها بزيارة إلى موريتانيا. ويرى المراقبون أن هذه الجولة لها أهمية كبيرة في استراتيجية الحكومة في بورتسودان بالنظر الأدوار المفتاحية التي تلعبها كل دولة في الملفات الرئيسية لهذه الاستراتيجية. كما أن اختيار توقيت القيام بهذه الجولة في تزامن مع شن القوات المسلحة لعمليات عسكرية واسعة على مختلف محاور القتال ضد قوات الدعم السريع يعكس أن هذه المعركة الدبلوماسية لا تقل في أهميتها عن المعركة العسكرية.

واصطحب الفريق عبد البرهان في هذه الجولة كل من الفريق أحمد إبراهيم مفضل، مدير جهاز المخابرات العامة، والفريق ميرغني إدريس، رئيس منظومة الصناعات الدفاعية، والسفير حسين الأمين، وكيل وزارة الخارجية. وترك ذلك تساؤلات بشأن عدم مشاركة وزير الخارجية، السفير على يوسف، في هذا التحرك الدبلوماسي الهام، وهو ما فسره البعض بأنه تأكيد من قيادة القوات المسلحة بأنها هي المسؤول الأول والأخير عن العمل الخارجي.

مالي: الهم المشترك

بدأ الفريق عبد الفتاح البرهان جولته في دول غرب أفريقيا في 11 يناير 2025 من مالي حيث التقى بنظيره المالي، الكولونيل أسيمي غويتا. وعبر الفريق عبد الفتاح البرهان لمواقف مالي الداعمة للسودان ضمن المصير الأفريقي المشترك الذي يستدعي التعاضد والتكاتف. وشدّد على أهمية توحيد المواقف السياسية في المحافل الدولية والإقليمية والسعي لإيجاد الحلول لقضايا القارة الأفريقية داخل البيت الأفريقي. من جانبه عبر الرئيس المالي عن تضامنه مع السودان فيما يتعرض له من استهداف في أمنه واستقراره وطمعا في الموارد الضخمة التي يتمتع بها. وأكد على استعداد بلاده للتنسيق مع السودان لمحاربة الجماعات الإرهابية ودعا إلى الصبر والصمود حتى تحقيق النصر في مواجهة المتمردين.

لكن خبير دبلوماسي أكد في حديث لراديو دبنقا أن واقع الأشياء يقول إن هناك هما أكبر يجمع البلدين وهو كيفية استعادة عضويتهما في الاتحاد الأفريقي بعد أن تم تجميدها بسبب الانقلابات العسكرية التي شهدها البلدان. ويعمل السودان على حشد جبهة من الدول التي جمدت عضويتها لذات السبب من أجل ممارسة ضغط جماعي على الاتحاد الأفريقي، وترغب الحكومة في بورتسودان في الاستفادة من نفوذ مالي على المجموعات العسكرية الحاكمة في النيجر وبوركينا فاسو لكسب دعمهما لها التحرك. وأضاف الخبير الدبلوماسي أن هناك عامل آخر وهو أن كلا من السودان ومالي يعتبران حاليا جزءا من دول المحور الروسي في أفريقيا ما يدفعهما للتقارب لمواجهة الضغوط الغربية معا.

البرهان مع الرئيس المالي

غينيا بيساو: استثمارات حميدتي

المحطة الثانية لجولة القائد العام للقوات المسلحة كانت في غينيا بيساو التي وصلها في يوم 12 يناير والتقى فيها بالرئيس اومارو سيسوكو امبالي. وقدم الفريق عبد الفتاح البرهان شرحا لرئيس غينيا بيساو حول تطورات الأوضاع في السودان في ضوء ما سماه بتمرد قوات الدعم السريع ضد الدولة ومؤسساته، وأن علاقات السودان مع أي دولة ستبنى على أساس موقفها من الحرب الحالية. ونوه إلى أن هناك دول استعمارية تعمل على تغذية الصراعات في أفريقيا وأن القارة تشهد صحوة جعلتها تصمد أمام التدخلات الخارجية. فيما شدد الرئيس اومارو سيسوكو امبالي على العلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط الشعبين وعبر عن أمله في تحقيق السلام في السودان في أقرب وقت ممكن وعن دعم بلاده لجهود وقف الحرب.

وعلق الخبير الدبلوماسي في حديث لراديو دبنقا على هذه الزيارة بالقول إن غينيا بيساو استعادت عضويتها في الاتحاد الأفريقي أسوة بمصر في العام 2014 بعد أن كانت قد جمدت عقب الانقلاب العسكري في العام 2012. وبالتالي لديها تجربة في هذا المجال، كما أن رئيسها ورغم أنه منتخب، لكنه جنرال سابق في الجيش الذي نفذ في نصف قرن 4 انقلابات ناجحة و10 انقلابات فاشلة. ويأمل السودان في كسب دعمها لاستعادة عضوية السودان.

لكن الملف الأهم دون شك في هذه الزيارة وفق تقديرات الخبير الدبلوماسي هو المتعلق بالاستثمارات الضخمة التي يقال إنها مملوكة لقائد قوات الدعم السريع في غينيا بيساو. ومن الواضح أن حكومة بورتسودان تسعى لتضييق الخناق على الدوائر المالية لقوات الدعم السريع وقيادتها مستفيدة من العقوبات الامريكية التي فرضت على عدد من قادة الدعم السريع وشركاته. وأشار الخبير الدبلوماسي أن الفريق حميدتي سبق له أن زار غينيا بيساو في فبراير 2023 وقبل الحرب بشهرين فقط وهو الأمر الذي أثار حينها الكثير من التساؤلات.

البرهان مع رئيس غينيا بيساو

سيراليون: الدعم الأفريقي في مجلس الأمن

بعد ذلك انتقل الفريق عبد الفتاح البرهان إلى سيراليون للقاء الرئيس جوليوس مادا بيا في ثالث محطات جولته في غرب أفريقيا. وعبر القائد العام للقوات المسلحة عن تطلعه للارتقاء بالعلاقات إلى ما يحقق طموحات شعبي البلدين ومؤكدا العزم السيطرة على جميع المناطق التي تقع تحت قبضة الدعم السريع. من جانبه، أكد رئيس سيراليون أن بلاده ستدعم الجهود الجارية لحل الأزمة السودانية وتحقيق السلام وإنهاء معاناة المواطنين.

لكن الخبير الدبلوماسي نبه في حديث لراديو دبنقا إلى أن الموضوع الأهم في هذه الزيارة هو دون شك موقف سيراليون في مجلس الأمن. فمنذ أن انضمت سيراليون إلى عضوية مجلس الأمن ظلت مواقفها مناوئة لمواقف حكومة بورتسودان، بل أنها شاركت بريطانيا في تقديم مشروع القرار الخاص بحماية المدنيين الذي أسقطه الفيتو الروسي. الدبلوماسية السودانية رحبت بانضمام الصومال لعضوية مجلس الأمن لأنه سيكون بجانب الجزائر دعما لمواقف السودان. وبالتالي تبقى سيراليون العضو الأفريقي الثالث الذي تسعى لكسب تأييده وبالتالي تضمن عدم اتخاذ أي قرار لا يؤمن موافقة الدول الأفريقية الثلاث بالاستناد إلى قاعدة الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية.

البرهان مع رئيس سيراليون

السنغال: أبعاد دبلوماسية وروحية

المحطة الرابعة في جولة الفريق عبد الفتاح البرهان هي السنغال حيث قدم شرحا وافيا للرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، حول مجمل الأوضاع في السودان وتطورات المشهد السياسي والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد الدولة ومؤسساتها وأنهم يعملون على دحرها حتى ينعم الشعب السوداني بالأمن والاستقرار. وأكد الرئيس السنغالي حرصه على مواصلة التعاون والجهود لإنهاء الأزمة السودانية ودعم قضايا السودان في المحافل الدولية والإقليمية.

الخبير الدبلوماسي نوه في حديث لراديو دبنقا إلى أن السنغال عضو في مجلس السلم والأمن والأفريقي وهي الجهة التي توصي بتجميد ورفع تجميد العضوية في الاتحاد الأفريقي. لذا فإن ملف عودة السودان للاتحاد الأفريقي كان واحدة من الملفات الهامة في الزيارة. كما أن السنغال تتمتع بنفوذ كبير وسط دول الساحل ودول غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية وتأمل حكومة بورتسودان في الاستفادة من ذلك في تحركها الأفريقي.

وأضاف الخبير الدبلوماسي أن السنغال كما هو معروف مقر القيادة الروحية للطريقة التجانية ذات النفوذ الكبير في السودان وخصوصا في غرب السودان وسبق لخليفة الطريقة التجانية، محمد الماحي إبراهيم نياس، أن زار السودان في مايو 2022 بدعوة من الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي. كما أن مرشد الطريقة التجانية، علي بلعربي، المقيم في الجزائر زار السودان بدوره في يناير 2023. وتأمل حكومة بورتسودان في أن تستخدم هذا النفوذ الممتد من السنغال إلى السودان في محاصرة قدرات الدعم السريع على التجنيد والحشد وممارسة الضغط عليه.

البرهان مع رئيس السنغال

موريتانيا: عودة السودان للاتحاد الأفريقي

نهاية جولة القائد العام للقوات المسلحة التي استغرقت 3 أيام كانت في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، حيث أجرى الفريق عبد الفتاح البرهان مباحثات مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بصفتيه كرئيس لدولة موريتانيا وكرئيس للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي. وقد أطلع الفريق عبد الفتاح البرهان مضيفه على المؤامرة التي تحيكها أطراف إقليمية ودولية للنيل من وحدة السودان وجرائم مليشيا الدعم السريع ضد الدولة ومؤسساتها. من جانبه، أكد الرئيس الموريتاني عن دعم بلاده لأمن واستقرار السودان لتجاوز التحديات التي يواجهها، وإنهاء الحرب وإحلال السلام في السودان.

ويقول الخبير الدبلوماسي في حديث لراديو دبنقا أن السودان يراهن على دور كبير تلعبه موريتانيا خلال القمة الأفريقية في شهر فبراير المقبل من أجل رفع العقوبات عن السودان. واعتبر أن الدبلوماسية السودانية تبدو وكأنها قد فقدت الأمل في دعم دول شرق ووسط وجنوب أفريقيا باستثناء عدد قليل من الدول، لذلك قررت التوجه إلى غرب أفريقيا للبحث عن الدعم.

البرهان ورئيس موريتانيا

أولويات واضحة للدبلوماسية السودانية

هذه الزيارات كشفت عن أولويات الدبلوماسية السودانية في المرحلة الحالية وفي بدايتها تشديد الحصار على قوات الدعم السريع وقيادتها مستفيدة من العقوبات الامريكية في ظل النجاحات التي تحققها القوات المسلحة على الأرض واستمرار الحكومة في بورتسودان في رفض جهود الوساطة المقدمة من عدد من الدول والمنظمات وآخرها مبادرة الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان. الأولوية الثانية هي استعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي عبر حشد دعم واسع لهذا الطلب واستيعاب دول أخرى تعاني من نفس وضعية السودان في هذا التحرك. والأولوية الثالثة هي دون شك تفادي صدور أي قرارات دولية ملزمة من مجلس الأمن بشأن الأوضاع في السودان بالاستناد إلى الكتلة الأفريقية في مجلس الأمن.

dabangasudan.org