خبر ⁄سياسي

كيف يهدد خطاب الكراهية السلم الاجتماعي في السودان

كيف يهدد خطاب الكراهية السلم الاجتماعي في السودان

عاين-31 يناير 2024

مع استمرار الحرب في السودان والفوضى التي تصاحبها، يتصاعد خطاب الكراهية ويتحول إلى أداة لتفكيك الروابط المشتركة بين السودانيين، ويعزز من ثقافة العنف والتمييز ما يجعل احتمالات بناء مستقبل مشترك غامضة.

في 11 يناير 2025، استعاد الجيش السوداني مدينة ود مدني من قوات الدعم السريع، مما أدى إلى تصاعد الاتهامات بتصفية المدنيين، حيث تم اتهام الجيش بقتل رعايا جنوب سودانيين بعد استعادة المدينة، مما فجر أعمال عنف في جنوب السودان.

في 16 و17 يناير 2025، اندلعت هجمات في جوبا عاصمة جنوب السودان ومدن جنوبية أخرى استهدفت المقيمين السودانيين، ردًا على ممارسات الجيش السوداني. أسفرت الهجمات عن مقتل عدد من السودانيين.

” حدة خطاب الكراهية ترتفع مع ارتفاع وتيرة النزاع في السودان بشكل كبير، وهو ما يعتبر مهددًا أساسيًا لتقسيم المجتمعات نفسها، بسبب غياب الدولة والمؤسسات والقانون”. يقول الباحث في دراسات السلام والإعلام عباس التيجاني لـ(عاين).

ويشير التجاني إلى إن هناك شروطًا يجب أن تتوفر للسلم الاجتماعي، وإذا توفرت هذه الشروط فإنها ستحد من خطاب الكراهية، مثل: سيادة دولة القانون، الديمقراطية، التعدد الإعلامي، والإنصاف والعدالة في توزيع الفرص بين الناس.

ويرى التيجاني أن خطاب الكراهية يعمل على تكسير الأواصر المتصلة بالإخاء والمحبة وحسن الجوار والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية.

وأوضح التيجاني أن خطاب الكراهية يعمل على تدمير كل هذه المشتركات الثقافية والاجتماعية، مما يؤدي إلى انهيار منظومة القيم المجتمعية. وبالتالي، يتلاشى السلام الاجتماعي وتتهدم أسس التعايش.

وأشار إلى أن غياب نظام إداري وقانوني يحكم العلاقات بين الأفراد والجماعات يؤدي إلى استبدال القانون بمنطق القوة، الذي يظل السائد والمسيطر. منطق القوة هذا يولد خطابات كراهية وتحريضًا بأشكال وأدوات متنوعة، مما يؤثر بشكل كبير على مستقبل البلاد وعلى تعايش المجتمعات في المستقبل.

خطاب الكراهية سيستمر ويتجدد وستكون هناك مفردات وأنماط جديدة من قبل أطراف النزاع

عباس التيجاني

أما عن تداعيات استمرار خطاب الكراهية، أضاف التيجاني: “نظرًا لاستمرار الحرب، فإن هذا الخطاب سيستمر ويتجدد. ستكون هناك مفردات وأنماط جديدة، وستتغير قوالب معالجته سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من قبل أطراف النزاع.” وأوضح أن هذا الخطاب يعمل على تآكل المزاج العام للناس ويشكل تهديدًا حقيقيًا للمستقبل.

وفيما يتعلق بتأثير خطاب الكراهية على الوحدة الوطنية، أكد التيجاني أن هذا الخطاب ينسف ممسكات اللحمة الوطنية بين السودانيين. فهو يتجاوز الروابط المشتركة المرتبطة بالدين، الأرض، التاريخ المشترك، أو اللغة، ويؤثر بشكل كبير على الفروقات الاجتماعية بين المواطنين، سواء كانت ثقافية أو طبقية، مما يعطل بناء الوحدة الوطنية.

وأضاف التيجاني لـ(عاين): أن “أحداث الكنابي بولاية الجزيرة الأخيرة ليست الدليل الوحيد على تفشي خطاب الكراهية، بل إن هذا الخطاب له جذور تاريخية وأبعاد ثقافية واجتماعية عميقة في المجتمع السوداني. هناك تحيزات سائدة، سواء كانت واعية أو غير واعية، على مستوى الأفراد أو الجماعات أو القوى السياسية والمدنية التي حكمت البلاد في فترات مختلفة، وقد ساهمت هذه التحريفات في انتشار خطاب الكراهية”.

وأشار إلى أن هذا الخطاب لا يقتصر فقط على أحداث الكنابي، بل يمتد إلى العديد من المناطق الأخرى في السودان، بما في ذلك نقاط التفتيش والمناطق التي يسيطر عليها أطراف النزاع. وأوضح أن النزاعات القديمة الموروثة تنعكس بشكل كبير في سياق الأزمة العامة، مما يؤدي إلى مزيد من المجازر وقتل الأبرياء على أساس الهوية.

من جهته يقول الباحث في قضايا السلام، خالد محمد طه: إن “ما حدث في الكنابي، وما سبقها من أحداث، وما يزال يحدث في أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة، هو انعكاس مباشر لخطاب الكراهية وأفعاله. ويُعد هذا أيضًا مؤشرًا واضحًا على مدى وعمق الغبن والمرارات التي ساهمت الحرب وحالة الفوضى في بروزها للسطح”.

وأكد أن هذا الوضع يتطلب الوقوف لمواجهته بالشدة والشفافية اللازمة، مع تبني معايير واضحة وعادلة في تناول الموضوع من مختلف الزوايا الواقعية.

وأضاف طه في مقابلة مع (عاين): “قطعا، لا يمكن التوصل إلى سلام شامل أو نسبي مع وجود خطاب الكراهية وعدم الخوض في عملية رتق النسيج الاجتماعي، ومع تباعد المسافات الوجدانية بين المكونات.”

وأشار طه إلى أنه لاستدامة السلم المجتمعي والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوداني، يجب اتباع طرق جديدة قائمة على الإنصاف والتوقير، مع ضرورة استبدال ذهنية التنميط والتعميم المخل، والإقرار بحق الجميع في الحياة الآمنة أولًا، ثم تأتي بقية التفاصيل المهمة المتعلقة بعلاقات العمل والملكية وجميع حزمة حقوق المواطنة المتساوية.

وفيما يخص تفشي خطاب الكراهية، يشير طه إلى أن ذلك يشكل هشاشة في الأوضاع الأمنية، مما قد يفاقم الأوضاع إلى أسوأ من ذلك، خصوصًا مع حالة الفوضى وانتشار السلاح وغياب سلطة القانون، وتزايد الانتهاكات. وأضاف أن هذا الوضع يهدد الراهن بمزيد من الانزلاق نحو مواجهات مجتمعية، ويشكل خطرًا على مستقبل بناء السلام في البلاد.

استمرار خطاب الكراهية من جميع الأطراف يعني تحول الحرب من حرب فرقاء بدوافع سياسية إلى حرب مجتمعات من منطلقات إثنية

خالد طه

وتوقع طه أن التداعيات المتوقعة في حال استمرار خطاب الكراهية من جميع الأطراف يعني تحول الحرب من “حرب فرقاء بدوافع سياسية” إلى “حرب مجتمعات من منطلقات إثنية.”

وفيما يتعلق بالمستوى الأول من القبول والتعايش السلمي، أشار طه إلى أنه يجب أن يستند على معايير إنسانية، ثم تأتي مسألة “الوحدة الوطنية” التي لن يكون لها معنى محسوس إذا لم يتم القضاء على خطاب الكراهية ومنع أسباب التأجيج، وترسيخ دعائم الإحساس المشترك بالمصير المشترك.

وأكد طه أن أحداث الكنابي في الجزيرة تمثل مظهرًا واضحًا لخطورة خطاب الكراهية من زاوية نزع الحق في الحياة الآمنة. وأضاف أن جميع الأفعال العدوانية يجب أن تُنظر من زاوية ضرورة التوصل إلى حلول جذرية للمشكلات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية، مع الابتعاد عن الذهنية الانتقامية. وحذر من أن كل ما حدث ويحدث الآن قد يستمر إلى ما لا نهاية إذا استمر تقوية كل طرف بمنعة مؤقتة قد تحقق له بعض الانتصار، لكن دون ضمان استدامة العيش بسلام لأي طرف.

من جانبها، أكدت زهرة حيدر وهي فاعلة في العمل المدني، أن أحداث الكنابي الأخيرة في ولاية الجزيرة قد أبرزت بشكل واضح تهديد خطاب الكراهية للسلم الاجتماعي في السودان.

وأوضحت أن خطاب الكراهية يعمق اهتراء النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، حيث ينطلق من الأطراف المتحاربة لجذب المزيد من التأييد من خلال تحشيد القوى والمتطوعين، مما يؤدي إلى إطالة زمن الحرب بالرغم من فظائعها ونتائجها الكارثية. ولكن الأثر الأكبر يكمن في قطع الروابط بين مكونات الشعب السوداني، ما يجعل من الصعب تصور التعايش بينهم بعد انتهاء الحرب، سواء بانتصار أحد الأطراف أو باتفاق سلام. وأكدت أن أسوأ ما خلفته الحرب هو ليس فقط الانقسام المجتمعي، بل أيضًا العنف والاستهانة بالدماء والتسلط.

وأضافت حيدر لـ(عاين): أن “ما يحدث في ود مدني هو شاهد حي على ذلك، وكذلك ما يحدث يوميًا في مناطق سيطرة الأطراف المتنازعة، حيث غالبًا ما تُخفي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان”.

من يصفقون للحرب ويهللون لها، ويطلقون الشتائم التي تعكس الكراهية، ينسون أن الكراهية لن تقتصر على أعدائهم، بل ستنتشر كالمرض وتطالهم جميعًا

زهرة حيدر

ولفتت إلى أن ذلك يعقّد فرص الوصول إلى سلام دائم وأمان للمواطنين السودانيين. وقالت: “من يصفقون للحرب ويهللون لها، ويطلقون الشتائم التي تعكس الكراهية، ينسون أن الكراهية لن تقتصر على أعدائهم، بل ستنتشر كالمرض وتطالهم جميعًا. وبأيديهم يهدمون أي فكرة لحياة آمنة تحفظ كرامتهم، لأن من ينتهك ويكره لن يلقى إلا ما يَعطِى.”

وفيما يتعلق بتأثير خطاب الكراهية على التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوداني، قالت حيدر إن من أبرز تأثيراته أنه يعزز انعزال المجتمعات عن بعضها البعض ويفقدها الثقة في من حولها.

وأكدت أن الكراهية تؤسس للخوف بمقدار ما تؤسس للقوة الظاهرية، وأنها تضعف الانتماء للآخر وتقلل من المشاعر الإنسانية، مما يحول البشر إلى وحوش.

وعن خطر خطاب الكراهية على مستقبل البلاد، أكدت حيدر أن أي مجتمع مشبع بالكراهية هو مجتمع غير آمن، وأنه لا يوجد له مستقبل. وأوضحت أن هذا المجتمع سيكون مجتمع عنف مستمر ومتجدد، مع استحالة الحديث عن دولة واحدة أو شعب واحد في ظل اهتراء النسيج الاجتماعي. وأضافت أن المجتمع الذي تسود فيه الكراهية لا توفر فيه فرص للمبادرة والمشاركة والتعاون، وستكون الدولة محكومة بالفساد والمحسوبية والظلم، مما يؤدي إلى انعدام سيادة القانون وانتشار الجرائم وتكرار الإفلات من العقاب.

فيما يتعلق بالتداعيات المحتملة في حال استمرار خطاب الكراهية في السودان، أشارت حيدر إلى أن الكثيرين يتوقعون الانفصال، ولكن حتى الانفصال لن يكون نهاية المطاف، حيث إن تقسيم السودان لن يعفيه من العنف في حال تفشي الكراهية. وأكدت أن السيناريو الأقرب هو المزيد من الجرائم ضد الإنسانية والإبادات العرقية، بالإضافة إلى التصفيات. وأوضحت أن الخوف من استمرار هذه الجرائم سيكون أساسًا لتجذر العنف كثقافة في ظل غياب الدولة.

وأشارت حيدر إلى أن استمرار خطاب الكراهية سيؤدي إلى غياب الوحدة الوطنية، حيث إن الوضع الراهن هو نتاج لمظالم سابقة لم يتم الفصل فيها أو معاقبة مرتكبي الجرائم. وأضافت أن الحرب الحالية هي نتيجة حتمية لهذه الأخطاء الجسيمة، وأن غياب الوجدان المشترك يؤدي إلى العودة للانتماء القبلي والشخصي، وتفضيل ما هو ذاتي على ما هو عام. وقالت: “إذا كان هذا هو الحال الآن، فما هو الواقع في المستقبل؟ بالتأكيد ستكون النتائج أسوأ وأكثر عنفًا.”

3ayin.com