هدنة غزة: ما خيارات الوسطاء لتجاوز التعثر

أزمة جديدة تواجه استئناف اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، عقب تمسك «حماس» بأولوية إبرام صفقة شاملة تنهي الحرب المستعرة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في تجاهل للمقترح الإسرائيلي، الساعي لهدنة مؤقتة.
«حماس» التي لم تغلق الباب أمام قبول اتفاق تهدئة خصوصاً مع التصعيد الإسرائيلي واقتراب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة الشهر المقبل، غازلت مبعوثه آدم بوهلر، الذي سبق أن التقى قياداتها بالدوحة، بالتأكيد على تطابق موقفهما بخصوص إبرام صفقة شاملة، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، توصيفاً لمرحلة «عض الأصابع» شديدة الصعوبة بين مناورات من الحركة الفلسطينية، وتصعيد من حكومة بنيامين نتنياهو.
وينقسم الخبراء إزاء دور الوسطاء بين السعي لإبرام صفقة شاملة، أو المحاولة مجدداً لتقريب وجهات النظر، والضغط على الطرفين لقبول تهدئة جزئية تقود لاتفاق شامل بدعم وضمانة أميركيين، وربما من تركيا، وفق المقترح المصري الأخير الذي قبلت به «حماس» مبدئياً، قبل تقديم نظيره الإسرائيلي منتصف الأسبوع.
ومقدماً طرحاً بديلاً، قال رئيس حركة «حماس» في غزة، خليل الحية، في كلمة متلفزة، مساء الخميس، إن «الحركة مستعدة للتفاوض على الفور بشأن اتفاق لتبادل جميع الرهائن مع عدد متفق عليه من الفلسطينيين المعتقلين لدى إسرائيل، في إطار صفقة تضمن الانسحاب الإسرائيلي، وتنهي الحرب في القطاع»، مضيفاً: «نؤكد استعدادنا للبدء الفوري في مفاوضات الرزمة الشاملة، التي تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى لدينا وعدد متفق عليه من أسرانا لدى الاحتلال. على الاحتلال في المقابل وقف الحرب تماماً على شعبنا والانسحاب الكامل من قطاع غزة».
وأضاف: «الاتفاقات الجزئية يستعملها نتنياهو وحكومته غطاءً لأجندته السياسية القائمة على استمرار حرب الإبادة والتجويع، حتى لو كان الثمن التضحية بأسراه جميعاً، ولن نكون جزءاً من تمرير هذه السياسة». ورحّب الحية بموقف المبعوث الأميركي، آدم بوهلر، بإنهاء ملف الأسرى والحرب معاً، وقال إنه «يتقاطع مع موقف الحركة في التوصل إلى اتفاق شامل»، بعد ساعات من تصريحات بوهلر، أفاد خلالها بأن «حماس» مُرحب بها «إذا كانت ستقدم شيئاً يتطابق مع محدداتنا»، مضيفاً أن هناك دائماً إمكانية للوصول إلى اتفاقية شاملة بشأن الرهائن.
ونقلت شبكة «CNN» الأميركية عن قيادي بـ«حماس»، لم تسمه، قوله إن المقترح الإسرائيلي الذي تسلمته الحركة الاثنين، من القاهرة «مرفوض ونريد اتفاقاً شاملاً».
وبحسب استطلاع جديد نشرته صحيفة «معاريف»، العبرية، الجمعة، فإن 62 في المائة من الإسرائيليين عبروا عن دعمهم لصفقة يتم بموجبها إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، مقابل وقف القتال والانسحاب من غزة، بينما عارضها 21 في المائة، و17 في المائة لم يحددوا موقفهم.
وعقب موقف «حماس»، علق مصدر أمني إسرائيلي، الجمعة، قائلاً إن «إسرائيل ستزيد الضغط العسكري على قطاع غزة، وهذا الرفض سيضر بـ(حماس) ومسؤوليها الكبار، وسيزداد الضغط العسكري من الجو والبحر والبر»، وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على منصة «إكس»، الجمعة: «حان الوقت لفتح أبواب الجحيم على (حماس) لتكثيف القتال حتى احتلال القطاع بالكامل».
ويعتقد الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن «(حماس) تريد بهذا الرد، الوصول إلى الحل النهائي مرة واحدة، وليس خطوة بخطوة، وهذا يتوافق مع رغبة أميركا»، مشيراً إلى أن هذا يصطدم برغبة بنيامين نتنياهو، الذي قد يقابل بضغط أميركي قبل زيارة ترمب للشرق الأوسط.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور، أيمن الرقب، أن الهدنة المنتظر بمرحلة «عض الأصابع»، وهي مرحلة شديدة الصعوبة، خصوصاً مع التصعيد الكبير من نتنياهو الذي يدرك أن أمامه مهلة بنهاية الشهر الحالي، وفق ما وجه به ترمب خلال لقاء بالبيت الأبيض، وكما تشير تسريبات الإعلام الإسرائيلي، وكذلك تدرك «حماس» ذلك، ومن ثم جاء رفضها لمزيد من الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ولفت إلى أن المقترح الإسرائيلي قدمه نتنياهو ليُرفض، خصوصاً أن به عورات كثيرة، من بينها أنه لا يتحدث عن انسحاب أو مفاتيح إطلاق سراح الأسرى، وجاء رد «حماس» الداعي إلى «صفقة شاملة»، قبولاً داخلياً واسعاً في إسرائيل، كما تلاقى مع تصريحات سابقة من واشنطن.
ولم يعلق الوسطاء لا سيما بالقاهرة والدوحة على موقف «حماس»، غير أنه قبل كلمة خليل الحية، بشأن التمسك باتفاق شامل، قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، الخميس: «نسعى لتقريب وجهات النظر للتوصل إلى اتفاق ينهي معاناة الشعب الفلسطيني».
ويعتقد الرقب أن مصر وقطر ستتحركان بشدة، للتوصل إلى تهدئة جزئية وإحداث مقاربات نحو حل وسط، بغض النظر عن مطلب «حماس» بشأن «الصفقة الشاملة»، خصوصاً والأخيرة كان لديها استعداد لقبول المقترح المصري الأخير الجزئي الممهد لوقف دائم لإطلاق نار، وأبدت تجاوباً معه قبل أن ترد إسرائيل بمقترح منتصف الأسبوع، يشمل نزعاً لسلاح الحركة، وهو ما قوبل بالرفض.
ويرى أن واشنطن لن تتحرك بشكل كبير؛ إلا بعد حلحلة مصر وقطر للأزمة، وتقريب وجهات النظر، ليكون التدخل الأميركي حاسماً بضغوط خاصة قبل زيارة ترمب للمنطقة، على أن تكون هناك ضمانات أميركية لـ«حماس».
بينما يعتقد فرج أن الوسطاء ليس أمامهم بشكل عملي سوى الاتجاه نحو إتمام «الصفقة الشاملة»، مع تعهد وضمانة أميركيين، وتفاهمات بشأن كيفية التغلب على رفض نزع السلاح الذي بات عملياً، ليس كما قبل الحرب؛ بل أقل بكثير جداً، ولا يمثل تهديداً كبيراً.
aawsat.com